منتدى مدرسة بلقاسم بن حبسة طريق تازولت باتنـــــــــــــــــــة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى التواصل وتبادل المعارف
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 مفهوم التراث

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
TAKI

TAKI


عدد المساهمات : 62
تاريخ التسجيل : 25/08/2011

مفهوم التراث Empty
مُساهمةموضوع: مفهوم التراث   مفهوم التراث I_icon_minitimeالخميس سبتمبر 22, 2011 10:20 pm

بسم الله الرحمن الرحيم
مفهوم التراث

التراث في أبسط تعريف له هو السجل الكامل للنشاط الإنساني في مجتمع ما على مدى زمني طويل، بكلام آخر حفظ مجمل المناشط الإنسانية في الذاكرة الجماعية لشعب من الشعوب بحيث تعكس نفسها في حاضر الأمة تفكيراً، وسلوكاً، وهذا السجل التراثي قد يكون قصيدة شعرية، أو وثيقة تاريخية، أو إبداعاً أدبياً، أو اختراعاً علمياً، أو مؤلفاً ثقافياً، أو لوحة تشكيلية، أو نحتاً فنياً، أو شكلاً معمارياً، أو أقصوصة أسطورية، أو مثالاً شعبياً، أو احتفالاً شعبياً، أو تقليداً عائلياً، أو عرفاً اجتماعياً..باختصار أن التراث هو تراكم تاريخي طويل متعدد المشارب (ثقافي، أدبي، اقتصادي، اجتماعي، سياسي، معماري..الخ)، وهذا السجل بكامل حمولته يشكل هوية كل مجتمع وخصوصيته التي تميّزه عن باقي المجتمعات.
مفهوم التراث الإسلامي
يعتبر التراث مظهراً من مظاهر الإبداع الفردي والإبداع الجماعي للأمة خلال تاريخها الطويل، كما يعتبر التراث أفضل تعبير عن الهوية الثقافية للأمة وذاتيتها الثقافية.
ويشمل التراث أشكالاً متعددة ثقافية وفنية وفكرية متوارثة من ماضي الأمة القريب والبعيد. وهو عطاء من صنع الإنسان، يختلف باختلاف الأزمنة والأماكن، وهو في مفهومه العام يخص التراث المادي وما يشمله من مبان أثرية، أو ما تكشفه الحفريات، وما تضمه المتاحف من آثار ممثلة العصور مختلفة، بل يضم أيضاً التراث الفكري النابع من أعمال ونتاج العلماء والكتاب والمفكرين والمبدعين، كل في عصره.
كما أن هناك تراثاً اجتماعياً يتمثل في العادات والأعراف والتقاليد السائدة في المجتمع ومدى تأثيرها في أفراده. ولذلك كانت له علاقة وطيدة بالممارسات الثقافية ونظرتها إلى المستقبل، والربط بين حاضر الأمة وبين ماضيها.
وإذا كنا نؤمن بأن المصدر الأساس للتراث الإسلامي هو القرآن الكريم والسنّة النبوية الصحيحة، اللذان فجرا عطاءات علمية وفكرية وثقافية، فإننا ننزه تراثنا عن حصر مدلوله في مجرد الصيانة المنظمة للآثار، وتبويبها في قوائم، وعرضها، أو في مجرد مواصلة الاحتفالات التقليدية، أو في الارتباط العاطفي بآثار الماضي. ذلك أن التراث يعتبر من أهم الوسائل الفعالة في ترسيخ الهوية الثقافية.
كما أننا نرفض إضفاء هالة التقديس على التراث الإسلامي بحجة أن الوحي هو الذي فَجَّرَه، ذلك لأن هذا التراث ليس بوحي بل هو عمل إنساني وإن ارتبط بالوحي. ولهذا نرى أن دراسته دراسة نقدية هادفة هي أمر مفيد يندرج ضمن سبل العناية به. فالثقافات التي لديها الجرأة على القيام بنقد ذاتي لتاريخها والاستفادة من الدروس المستخلصة من تراثها، يمكنها أن تصوغ تراثها المستقبلي بروح خلاقة لمواكبة التغير دون التخلي عن أصالتها، وإن الذين يستوعبون تراثهم اكتشافاً ودراية ونقداً، يكونون أكثر استعداداً للحفاظ على التواصل من خلال التغيير.
والتراث الإسلامي على صنفين : التراث المكتوب والمقروء والذي تزخر به آلاف المكتبات في مختلف البلدان والقارات، والتراث المرئي من آثار وأدوات ومنجزات عمرانية وحضارية ومهارات فنية لازال بعضها قائماً منتشراً يثير الإعجاب والتقدير.

وقد اتسع التراث الإسلامي المقروء والمرئي اتساعاً كبيراً فشمل العلوم الشرعية من تفسير وحديث وأصول وفقه وسيرة، والعلوم اللغوية والأدبية والنقدية، وعلوم فكرية وفلسفية، كعلم الكلام والتصوف والفلسفة والمنطق، وعلوم إنسانية واجتماعية كالسياسة والاقتصاد والاجتماع والتربية وعلم النفس والتاريخ والجغرافية والرحلات، والعلوم البحتة والتطبيقية من رياضيات وطبيعة وكيمياء وهندسة وفلك وزراعة وطب، وفنون عمرانية وتشكيلية من زخرفة ونحت ونقش، ممّا لايزال منتشراً في المساجد والقصور والمدارس والأضرحة وغيرها، بل مازال كثير من هذه الفنون حياً لدى الآلاف من الفنانين المهرة.
وقد انصهرت هذه الفنون وغيرها، من صناعات وموسيقى وإنشاد ورقص وتقاليد حضارية، مع القيم الإسلامية، ممّا أعطاها طابعا خاصاً يوحي بالوحدة رغم تنوعه، واختلافه من قومية إلى قومية، ومن بلد إسلامي إلى بلد إسلامي آخر.
التراث الإسلامي
التراث الإسلامي باعتباره حصيلة ما أبدعه المسلمون من علوم وفنون، وما خلفوه من مآثر تاريخية وعمرانية، وما لا يزالوا يمارسونه من فنون وصناعات، يشكل بدوره مصدراً للثقافة الإسلامية، بل إن معظمه يعتبر جزءآً هاماً من التراث البشري الذي لا يمكن إغفاله أو التنكر له.
إن التعامل مع التراث باعتباره حصيلة إنتاج العقل المسلم من مختلف الطبقات الاجتماعية والتيارات الفكرية والثقافية من البلدان الإسلامية جميعاً، وباعتباره أيضاً حاضناً لهوية الأمة، يتطلب العمل على إعادة دراسة هذا التراث وتخليصه من شوائبه، وفتح باب الاجتهاد في مجالاته المتعددة، وتوظيفه لخدمة حاضر الأمة الإسلامية ومستقبلها، والسهر على إحياء التراث الإسلامي الفكري والفني والمحافظة عليه ونشره بمختلف الوسائل، وترجمة روائعه إلى اللغات الحية، والتعريف بالثقافة والقضايا الإسلامية المعاصرة من خلال وسائل الإعلام الدولية. فالتراث مظهر للإبداع الفردي، مثلما هو مظهر للإبداع الجماعي للأمة وتحولاتها التاريخية. ووظيفة التراث أن يفتح آفاقاً جديدة للأمة، لا أن يغلق عليها الآفاق ويسجنها في الماضي، وهو أفضل تعبير عن الذاتية الثقافية.
ومعلوم أن هذا التراث الإسلامي ينبني أساسا على روح الإسلام ومقاصده، ولذا نجده مطبوعا بالطابع الإسلامي الذي يجعله في غالب الأحيان لا يختلف مع العقيدة ومقومات الدين التي تمتاز بخصائص ومناهج ومعايير خاصة. ومما لا ريب فيه أن كثيرا من هذه الخصائص والمعايير تختلف مع كثير من خصائص ومعايير الحضارات السائدة حالياً، بحكم الاختلاف في المنطلقات والخلفيات التاريخية والعقدية. فلا مجال في الثقافة الإسلامية للمذاهب المادية مثلا ولا العلمانية ولا الوضعية ولا لكثير من المذاهب والنظريات التي لا تعترف بالشرائع السماوية ولا بمصدريتها ومرجعيتها.
ومن المظاهر الحية القائمة في التراث الإسلامي، فضلا عن الصناعات الفنية والمآثر التاريخية المشار إليها آنفا، مجموعة من المؤسسات الاجتماعية كالوقف على بيوت الله، وعلى خزانات الكتب ودور العلم والإحسان، بل وحتى على الحيوان. ومن المؤسسات الثقافية الكتاتيب والمدارس القرآنية والجامعات وخزانات الكتب. وكذا مجموعة من المظاهر الدينية والتقاليد الاجتماعية، كالاحتفال بالأعياد والمواسم الدينية.
التراث في الحضارة العربية
التراث هو انتقال السمات الحضارية أو الثقافية لمجتمع معين من جيل إلى جيل عن طريق التعلم والتعليم، ويسمى بالتراث الحضاري أو الثقافي أو الاجتماعي. ويتحدد التراث ـ كمصطلح اجتماعي ـ بالسمات الحضارية أو الثقافية والاجتماعية لأمة من الأمم. انه تركة الأجيال الماضية من حضارة مادية ومعنوية يتلقاها الأفراد من المجتمع، الذين هم أعضاء فيه.
وهذه السمات الحضارية هي كل شيء ـ بالنسبة للأشخاص، ولولاها لما استطاع المجتمع أن ينمو ويتطور ويتقدم. فالتراث الحضاري عنصر مهم من عناصر التطور، والإنسان المعاصر مدين لأجياله السابقة التي أورثته كل هذه النماذج التي لها الفضل الكبير في بلورة شخصيته الحضارية وتكاملها.
ويشكل التراث تراكما حضاريا وثقافيا عبر الأجيال والقرون لمضمون العناصر المادية والمعنوية للحضارة، كالمعرفة والمعتقدات والفن والأخلاق والصناعات والحرف وقدرات الإنسان وكل ما يكتسبه من المجتمع من سلوك متعلم قائم على الخبرة والتجارب والأفكار المتراكمة عبر العصور والتي تنتقل من جيل إلى آخر عن طريق اللغة والتقليد والمحاكاة.
والتراث الحضاري ظاهرة إنسانية عامة لكل المجتمعات والأمم.
كل أمة ومجتمع له تراثه الحضاري والثقافي من جهة، ومن جهة أخرى هناك تراث إنساني عام تشترك فيه كل الأمم والمجتمعات، ويخص الجنس البشري بأجمعه، لأن الإنسان يتميز عن الحيوان بقابلية اللغة والتفكير والعمل.
وتختلف المجتمعات الإنسانية في ارثها الحضاري من حيث عمق تراثها في التاريخ أو ضخامته أو بساطته وعدم تعقيده.
وتراث أية أمة من الأمم يمكن أن يكون عاملاً مهماً وأساسيا في تطورها وتقدمها، لأن الإنسان في كل زمان ومكان وارث لما قدمه أسلافه من معارف وخبرات يستفيد منها في حاضره ويضيف إليها من خبرته وتجاربه ويطورها بعلمه ومعرفته من أجل بناء حاضره ومستقبله.
ولهذا فالتراث عملية تراكم دائمة ومستمرة عبر الماضي، مروراً بالحاضر وتجاوزاً للمستقبل. ولا يمكن إن يكون هناك قطع زمني في هذه العملية، فتجربة الإنسان في الماضي تصبح تجربة جديدة في الحاضر وتستمر للمستقبل. ولهذا يكون علينا إن نستفيد من الإرث لتطوير الحاضر وتجديده والعمل من اجل المستقبل، دون أن يطغى ارث الماضي على الحاضر ولا يلغي الحاضر الماضي، ولا يقف الماضي في سبيل المستقبل.
وتراث أية أمة من الأمم ليس تراكم معرفة وتجارب فحسب، لكنه تمثيل لشخصية الأمة في ماضيها وحاضرها ومستقبلها، ويعني ذلك تمثيلاً لخصائص الأمة الحضارية، والمادية والمعنوية، فالشخصية القومية لا تولد في الحاضر وليست لها حقبة زمانية معينة، وانما هي وليدة ارث أجيال متعاقبة عبر التاريخ وعبر تجارب وخبَرات وأفكار، ولذلك فالتراث الحضاري هو العامل الأساسي في وحدة الأمة وبقائها واستمرارها، وهو الوسط الذي تنمو فيه الشخصية وتترعرع.وقد ترك العرب تراثاً ضخماً غنياً هو ثمرة جهود إنسانية واسعة وعميقة في التاريخ تمتد إلى العرب قبل الإسلام، عبر عصر الازدهار والتفتح العلمي، كانت مادة هذا التراث العظيم هي اللغة العربية، الغنية بمفرداتها التي جمعت ذلك التراث ووحدته وحفظته. فاللغة العربية هي لغة العلم والتخاطب في الميراث الحضاري العربي، والتي لعبت دوراً أساسيا وإنسانيا بما قدمته وإضافته في تطوير عصر النهضة العربية، عصر النقل والترجمة والتأليف والإبداع وما أحيته وطورته في التراث اليوناني القديم وأضافت إليه فكراً وتطبيقاً. وقد انطوى التراث العربي على الكثير من عناصر الحضارة المادية والمعنوية. وفي مختلف مجالات الحياة...
التراث العربي هو حلقة من سلسلة طويلة من الحضارات الإنسانية المتعاقبة، وهو جزء من التراث الإنساني العام، لأنه أدى ولا يزال دوراً أساسيا ومهماً في إغناء وتطوير الحضارة الإنسانية، ومن يتصفح كتب التراث العربي يجد أمامه عملاقاً متشعب الفروع، يضم الطب والرياضيات وعلم البصريات إلى جانب الفلسفة والجغرافية والآداب والعلوم الاجتماعية والفنون.ان الاهتمام بالتراث الحضاري مهمة ضرورية تحتاج إلى موضوعية وعقلانية من جهة والى عالمية الفكر الإنساني وتواصله من جهة أخرى، وان عملية إحيائه هي عملية انتقائية تحتاج أولا إلى الاستيعاب استيعاباً موضوعياً وذلك عن طريق فهمه وهضمه وتطويره نحو الأفضل وربطه بالمعاصرة التي تعني استيعاب الحاضر بخصوصياته القومية وربطه بالتراث الإنساني العالمي وخصوصيات العالم المعاصر.
ان مفهوم التراث أيديولوجيا ، يدل على هوية ثقافية معينة بمعنى القومية، أو على نوع ثقافي معين بمعنى التخصص، كقولنا في الحالة الأولى التراث العربي أو في الحالة الثانية التراث الفلسفي او التراث العلمي وقد كانت الدلالة الثقافية المعينة لشعب ما خاصة الثقافة العربية مصدر خلاف بين المفكرين، لأن مفهوم التراث يخضع لمصادرات مفاهيم أيديولوجية مسبقة تحدده.على هذا النحو تنوعت وجهات النظر وتياراتها في الأيديولوجية العربية المعاصرة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: التراثية السلفية (الدينية) التراثية العلمانية، التراثية القومية إلى ما هنالك...
إن تدرجات الفواصل النوعية بين هاتيك التيارات تنعكس على تحديد مفهوم ثان مرتبط بالتراث إلا وهو مفهوم العروبة. وبالتالي مفهوم الأمة، لما بينها من ترابط لا يمكن فصل عراه، فهل نقول: التراث العربي بالمعنى الشمولي لمفهوم العروبة بوصفه صفة كلية للحضارة السامية باعتبار العروبة آخر تجليانها الباقية، المستمرة على جميع مستويات الحضور التاريخي واللغوي؟ أم نقول:التراث العربي الإسلامي بحيث نطابق بين العروبة والإسلام عندئذ تجابه الفكر اشارات وشذرات عاصفة مثل: هل الإسلام دين قومي خاص بالعرب، أم انه دين أمم يتجاوز العرب؟ وبمفاهيم منطقية ـ هل يستغرق الإسلام العرب أم أن العرب يستغرقون الإسلام استغراقاً تاماً؟ حينئذ أين يمكننا وضع مفاصل العرب غير المسلمين من مسيحيين ويهود وغيرهم من الاقليات الاثنية، العرقية ـ الثقافية ـ اللغوية؟ وكيف يمكن حذف مرحلة عرب ما قبل الإسلام بعمقها وتراثها العظيم؟ لكل سؤالية اشكالاتها واحالاتها وشروطها واستدعاءاتها.
ان ضرورة التواصل لا الانقطاع مرتبط بأصالة ذلك التراث وحيويته، والتواصل يعني ربط الماضي بالحاضر عن طريق استيعاب مضمونه وهضمه وتطويره، وانقطاع التراث يعني فقدان الهوية القومية والحضارية، والاشكالية المثارة منذ مدة حول طريقة النظر إلى التراث في المجال الحضاري العربي الإسلامي ناجمة عن الدخول القوي للقيم الحضارية الغربية، وتراجع الأشكال التقليدية للفكر في مجتمعاتنا، مما اوهم انقطاعاً بين تالد الأمة وطريفها.
فكان هناك الذين رأوا إلغاء الماضي لصالح الحاضر، والذين نظروا للماضي بمختلف مناهج النظر والتحليل الحاضرة، والذين أصروا على أن آخر هذه الأمة لا يصلح إلا بما صلح به أولها. وهكذا ظلت المحاولات التي جرت لقراءة التراث في نطاق إحدى وجهات النظر الثلاث حبيسة الأيديولوجيا وقاصرة عن الفهم المتكامل.
أولاً: التراث مفهوماً وسمات
التراث لغةً مصدر من الفعل ورِثَ إذ يقال: ورِثَ فلاناً أي انتقل إليه مال فلانٍ بعد وفاته؛ ويقال: ورث المال والمجد عن فلان إذا صار مال فلان ومجده إليه.
وفي ضوء المصطلح اللغوي نرى أن التراث لفظ يشمل الأمور المادية والمعنوية؛ ويتمثل في جميع ما يبقيه الآباء والأجداد للأبناء والأحفاد؛ فهو قبل كل شيء هذه الأرض التـي نعيش عليها؛ ويجب أن يحتفظ الوارث بها
والتراث يشمل ما أنشئ على هذه الأرض من معالم وما قام على ظهرها من آثار؛ وما حفظ في داخلها من خيرات؛ وما ابتدعه عقل الأمة من مبتكرات؛ وما صنفه من تأليف؛ وما سجله من رسوم؛ وما خطه من مناهج؛ ورسمه من سبل ونظمه من مسالك وطرق.
والتراث في معناه العام يشمل كل ما خلفته لنا الأجيال السابقة في مختلف الميادين الفكرية والأثرية والمعمارية وآثار ذلك في أخلاق الأمة وأنماط عيشها وسلوكها؛ فهو منجز تاريخي لاجتماع إنساني في المعرفة والقيم والتنظيم والصنع؛ وهو كل ما هو حاضر في وعينا الشامل مما ينحدر إلينا من التجارب الماضية في المعرفة والقيم والنظم والمصنوعات والحضور ...الخ.
وتراث أمتنا العربية لا يقف من حيث الزمان عند بداية التاريخ الإسلامي؛ وإنما يمتد مع ماضيها إلى ما قبل ذلك موغلاً في أعماق الزمن؛ فماضي كل الشعوب التـي أسلمت وتعربت هو من ماضي هذه الأمة؛ وكلُّ الحضارات الفكرية والمادية التـي ازدهرت في أرضنا العربية هي في الواقع التاريخي ميراث أمتنا.
وهذا الإدراك لا يصحح ما شاع فينا من أن مكانتنا في التاريخ الحضاري لم تأخذ دوراً قيادياً إلا في العصر الوسيط حيث كان الشرق العربي الإسلامي مناراً للعلم والمعرفة والتمدن وأوروبا غارقة في ظلمات عصورها الوسطى. إذ لا يجوز أن نقف بالتراث عند حد زماني أو مكاني يحصره في نصوص الأدب الجاهلي وذخائر علوم العربية والتاريخ الإسلامي؛ بل تمتد أبعاده لتستوعب التراث القديم لكل أفكار وطننا العربي على امتداد الزمان والمكان فتراثنا العربي أغنى من أن يحد بمرحلة حضارية واحدة؛ فمن بابل وآشور؛ ومن الفراعنة والبابليين وغيرهم من بناة الحضارات القديمة؛ ومن الديانات السماوية وغيرها من الرسالات الروحية والاجتماعية والفكرية الكبرى ينحدر إلينا تراث ضخم هو جَماع التاريخ المادي
ويتسم تراث أمتنا العربية بالعراقة؛ إذ إنه نشأ قبل ألوف السنين على الأرض العربية؛ وامتد متنامياً عبر الزمان والمكان؛ معبراً عن ذاته في عدد كبير من الحضارات قبل أن يتحد في النهاية في حضارة عربية إسلامية واحدة ذات ثقافة واحدة شملت الأرض العربية كلها.
كما اتسم بقدرته على استيعاب الثقافات الأخرى من فلسفة الإغريق وعلومهم إلى حكمة الهند وفكرها إلى آداب الفرس ونظمها؛ وفد تفاعلت ثقافتنا مع هذه الثقافات دون أن تفقد هويتها أو تذوب أو تفقد أصالتها؛ وطبعت ذلك كله بالطابع العربي مبرهنة على قدرة فائقة في التطور والنمو واستيعاب المحدثات في مجال العلوم والثقافة والفنون والآداب؛ وصمدت أمام محاولات التشويه والاستلاب؛ واجتازت بنجاح المعادلة الصعبة بين الحوار المكافئ والأخذ الإيجابي عن الثقافات الأخرى وبين الرفض القاطع لمحاولات طمس الهوية.
وإذا كانت ثقافتنا العربية تؤمن بالانفتاح الرحب على الثقافات الإنسانية فإنها كانت على الدوام ذات سمات إنسانية. ولعلنا لا نضيف جديداً إذا ذكرنا أن جوهر أمتنا العربية إنما يقوم على الانفتاح الحضاري الإنساني؛ فمن أرضها قامت الفتوحات وعبرها مرت وتعرضت لمحن واحتياجات؛ ومع ذلك كله بقيت تقدم للعالم أنموذجاً اجتماعياً إنسانياً يؤكد انفتاح الإنسان على أخيه الإنسان، وظلت تحمل راية الحياة المعطاء؛ راية الأخوة الإنسانية.
وبعد أن اخترعت الأبجدية وقدمتها للعالم وشقت البحار ناشرة الثقافة؛ وبعد أن نشأت في رباها أول الشرائع بدءاً بشريعة حمورابي وانتهاءً بشرائع السماء؛ لا نستغرب ما يقوله "توينبي" إن لكل إنسان في العالم وطنين أحدهما مسقط رأسه وثانيهما مسقط روحه وجوهره الإنساني وهو بيئة أمتنا الحضارية.
وليس عجيباً أن تكون الرسالات السماوية التـي أسهمت في السمو بالإنسان إلى ذرا الإنسانية السمحة قد وجدت في هذه البيئة الأرض الخصبة لنموها وانتشارها في العالم؛ لأنها في توقها الإنساني التوحيدي لامست روح هذه الأمة؛ روح هذا الوجود الحضاري؛ فوجد فيها تعبيراً عن أشواقه ومثله ونزعته الإنسانية فيه فحملها ونشرها في العالم.

ثانياً: عصرنة التراث
تجدر الإشارة أولاً إلى أنه لابد من النظر إلى التراث على أنه حياة لا موت وحركة لا جمود؛ ذلك لأنه كما سبقت الإشارة مجموعة من المثل والقيم والأعمال والمضامين والأشكال؛ نشأت من الماضي القديم وشقت طريقها إلى الماضي الحديث؛ وسافرت إلينا عبر القرون لتكوّن خلفيتنا وحالنا وكثيراً من مستقبلنا.
عصرنة التراث تعني اختيار ما في التراث من نماذج وأصول اختياراً قائماً على الفهم والتمييز والفرز والتبويب والتصنيف والتقويم التحليلي الأمين البعيد عن الأهواء العارضة؛ ومن ثم ترسيخ أكثر عناصر التراث قدرة على الإسهام في تغيير واقعنا باستخدام المنهج العلمي في التفكير.
فإذا كان لدى أسلافنا طريقة تفيدنا في حياتنا الراهنة أخذناها؛ وأما ما لا ينفع نفعاً عمليّاً تطبيقياً في حياتنا تركناه. ولقد حدد الدكتور زكي نجيب محمود هذا المنحى قائلاً: "نأخذ من الموروث جزء العاقل المبدع الخلاق؛ وننبذ جزؤه الآخر الخامل البليد؛ نأخذ جزءه العاقل المبدع لا لنقف عند مضمونه وفحواه نبدي ونعيد؛ بل لنستخلص منه الشكل كي نملأ مضمون هذا الشكل من عصرنا ومن حياتنا ومن خبراتنا".
وبهذا تكون عصرية التراث متمثلة في إعطائه قيمة وظيفية حاضرة بتحويله إلى مؤثّرات فاعلة في حياتنا المعاصرة وفي بناء المستقبل الذي ننشده.
فعصرنة التراث لا تعني تقليد التراث؛ ولا أن نعود بحاضرنا ومستقبلنا فنصبهما في قوالب الأمس البعيد؛ ولكنها تعني أن نبصر جذور غدنا الذي نريده مشرقاً في الصفحات المشرقة من التراث؛ وأن نجعل العدل الاجتماعي الذي نناضل من أجله الامتداد المتطور لحلم أسلافنا بسيادة العدل في حياة الإنسان؛ وأن نجعل قسمات العقلانية والقومية في تراثنا زاداً طيباً وروحاً ثوريةً تفعل فعلها في يومنا وغدنا؛ وبذلك يصبح تراثنا روحاً سارية في ضمير الأمة وعقلها؛ تصل مراحل تاريخها وتدفع مسيرة تطورها خطوات وخطوات إلى الأمام؛ وبذلك وحده يصبح التراث طاقة فاعلة وفعالة على حد تعبير الباحث التراثي محمد عمارة.
وكان العقاد من قبل قد أشار إلى أن الوسيلة المثلى لإيجاد الرغبة في إحياء التراث العربي هو مزجه بالحياة الحاضرة وإتمامه في داخلها؛ فلا يشارف متحفاً قديماً للآثار المحفوظة؛ بل يشارفه كما يدخل في معترك الحياة؛ وينغمس في تيار العاطفة والشعور؛ وليس بعسير إذا حسنت المطالعة وحسن الاجتهاد وحسن التنبيه.
ولقد تبنت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في الاستراتيجيات التـي وضعتها مفهوم الماضي الحي؛ ورأت أن الأصالة تعبر عن هذا المفهوم؛ وتعني اختيار ما في التراث من نماذج وأصول اختياراً قائماً على الفهم والتمييز وعلى ما تنطوي عليه من الإبداع والابتكار وعلى ما تدل عليه من ذاتية ثقافة الأمة وذاتية العبقرية التـي أسهمت في تطور هذا التراث في مجالات القيم والثقافة والفكر، وجوهرها تأكيد على خصائص الإبداع والابتكار وعلى ذاتية الثقافة وتميزها، وعلى اتصالها بعراقة الأمة في ماضيها الحي وعلى استمرارها في التعبير عن شخصيتها في مستقبلها.
ثالثاً: نماذج من عصرنة التراث
لو رحنا نستعرض النماذج التـي يمكن أن تكون في نسج حياتنا المعاصرة من تراثنا لأعيانا الحصر والتعداد؛ ذلك لأن ثمة مفاهيم واتجاهات نعتمدها في حياتنا المعاصرة؛ وقد يظن بعضنا أنها من إنتاج الغرب؛ هي موجودة في تراثنا. ولن أتمكن في هذه العجالة من حصرها؛ وحسبي أن أشير إلى بعضها متمثلاً في الوظيفية والمنهج التجريبي والحوار واحترام الرأي وحقوق الإنسان والتربية البيئية.
- 1 الوظيفية: وتتمثل في التركيز على أن كل ما يتعلمه المرء ينبغي له أن يؤدي وظيفته لصاحبه في الحياة التـي يتفاعل معها؛ ويلبي له حاجاته ومتطلباته؛ إذ لا خير في علم لا ينفع. ومن هنا كان ثمة ربط وثيق في تراثنا بين الجانب النظري من المعرفة والجانب العملي؛ إذ إن ثمة اهتماماً بالجوانب التطبيقية والسلوكية في الحياة بعد أن ارتبط العلم بحاجات البشر ومنافعهم.
وفي الدعاء النبوي: "اللهم علّمني ما ينفعني؛ وانفعني بما علّمتني وزدني علماً وكل علم وبال على صاحبه إلا من عمل به".
ولكم نردد في تراثنا مقوله "العلم بلا عمل جنون؛ والعمل بغير علم لا يكون"!
وفي ضوء هذا النهج الوظيفي دعا الجاحظ في إحدى رسائله إلى الابتعاد عن المماحكات والتأويلات التـي لا تفيد المتعلم في شؤون الحياة إذ يقول في صدد تعليم النحو: "وأما النحو فلا تشغل قلب الصبي بعويص النحو الذي لا يفيد في المعاملات؛ ويكفي أن تزوده بالقدر الذي يؤدي إلى السلامة من فاحش اللحن ومن مقدار جهل العوام في كتاب إن كتبه وشعر إن أنشده وشيء إن وصفه؛ وما زاد على ذلك فهو مشغلة عما هو أولى به من رواية المثل الشاهد والخبر الصادق والتعبير البارع".
ويهتم ابن خلدون بالناحية التطبيقيّة في اكتساب العلم؛ إذ ليس المهم معرفة القواعد والقوانين والاصطلاحات في حد ذاتها؛ وإنما المهم القدرة على استخدامها والاستفادة منها عملّياً؛ فقد فرق بين صناعة اللغة التـي تكوّنُ قواعدَها وقوانينها واصطلاحاتها وبين ملكة اللغة. والشخص الذي يستوعب هذه القواعد والمصطلحات دون أن يطبقها عملياً يكون مثل الشخص الذي يتقن صناعة من الصناعات علما ولا يكون له أي دراية بهذه الصناعات عملياً.
وفي ميدان الرياضيات كان ثمة اهتمام بالمسائل العملية التـي تتناول ما يقتضيه العصر؛ ويدور حول المعاملات التجارية والصدقات وإجراء الغنائم والرواتب على الجيوش؛ كما تتطرق إلى البريد وطرق البيع والشراء؛ وهذه ميزة امتازت بها المؤلفات العربية القديمة؛ فلقد كان رياضيو العرب يفضلون المسائل العلمية التـي تتعلق بحاجات العصر ومقتضياته.
ولو يتبع مؤلفو الرياضيات حالياً بعض الطرق التـي كان يسير عليها العرب في وضع المسائل الرياضية كان في ذلك ما يعود على الطلاب بأكبر الفوائد؛ مما يجعلهم يدركون أهمية العلوم الرياضية عملياً في نواحي الحياة المختلفة واتصالها الوثيق بحياة الإنسان المادية.
- 2المنهج التجريبي: ويجيء في مقدمة عصرنة التراث المنهج التجريبي والمعاينة؛ وهو المنهج الذي اعتمده العلماء العرب أسلوباً في الوصول إلى حقائق الحياة وإدراك كنهها؛ إذ إن لعدد غير قليل من رجال الحضارة العربية فضلاً في الحث على تحصيل المعارف عن طريق المعاينة والاختبار والتجربة؛ والبعد عن تحصيلها عن طريق النقل والقياس الأرسطي، وسبيلهما في الغالب هو الحفظ والاستظهار.وتعد دعوة الجاحظ إلى المعاينة والتجربة أول صيحة في الفكر العربي الإسلامي تسبق دعوة "فرانسوار رابليه" الفرنسي المتوفى سنة 1553م والذي نادى في مثابرة وإصرار بضرورة نبذ المذهب الجدلي في التعليم والتربية؛ وأن يستبدل به مذهب التجربة والاختبار في تحصيل المعرفة. كما سبق العالم البريطاني "فرنسيس بيكون" المتوفى سنة1626 م والذي دعا في حماسة شديدة إلى مذهب الملاحظة والتجربة في التعليم.وعلى الرغم من أن الجاحظ قد عاش في وسط عاكف على الحفظ ويهتم بالمحفوظ ويعلي من قدر الحفاظ الذين كانوا يتباهون بنوادر الحفظ وغرابته؛ ويجعلونه سبباً إلى الشهرة والولوج إلى أبواب الخلفاء والأمراء وذوي الجاه. على الرغم من ذلك كله وعلى الرغم من تعمقه في الأدب ومسائل الفكر؛ لم يكن ليؤمن بالحفظ قدر إيمانه بالتجربة والمعاينة في كسب المعرفة؛ إذ يقول: "ليس يشفيني إلا المعاينة". وتجلى ذلك في التجارب التـي كان يجريها على الحشرات.
ولقد أسس العرب أصول علم الكيمياء بتجاربهم ومستحضراتهم؛ وكان جابر بن حيان في مختبره بالكوفة رائداً في مجال التجارب؛ ومن أقواله المأثورة: "إن علماء الطبيعة لا يفرحون بغزارة المادة؛ ولكنهم يبتهجون بمهارة طرقهم في التجارب". وعلى هذا النحو استعان الحسن ابن الهيثم على قوانين الضوء بإجراء التجارب على النحو الذي نعنيه اليوم بالتجارب.
وشقّ المنهج التجريبي طريقه إلى الطب؛ فها هو ذا يوحنا بن ماسوية نابغة الطب العربي في عصر الرشيد يعجز عن الحصول على جثث بشرية للتشريح لما في ذلك من مجافاة لروح الإسلام الذي يعلي من كرامة الإنسان؛ فيعمد إلى القردة التـي كانت مجلوبة من بلاد النوبة بأرض مصر إلى بلاط الخليفة العباسي فيشرّحها كما يشير إلى ذلك الدكتور فيليب حتى.
ولقد انعكست تقاليد العرب في الطب في الناحية العملية في طرائق التعليم الطبي الإكلينيكي القائمة على مشاهدة المرضى والاستماع بدقة إلى شكواهم واستقصاء أحوالهم وزيارة منازلهم. ومن وسائل ذلك المرور على أسرّة المرضى في البيمارستانات حيث كان شيوخ الأطباء يصطحبون تلاميذهم ويفسرون لهم أحوال المرضى ويشيرون عليهم بالعلاج؛ وهي وسيلة التعليم الطبي السليم القائم على المشاهدة والتجربة؛ وليس نقلاً عن الكتب والمخطوطات.
3 - الحوار واحترام الرأي الآخر: ومن المواقف التـي تنضوي تحت عصرنة التراث اعتماد الحوار واحترام الرأي الآخر. ولقد كانت الحلقات العلمية الشعبية مثلاً في هذا المجال؛ إذ كان العلماء فيها على قدم المساواة في حرية التعبير واحترام الآخر بصرف النظر عن ديانته وانتمائه المذهبي وعقيدته. قال خلف بن المثنى: لقد شهدنا عشرة في البصرة يجتمعون في مجلس لا يعرف مثلهم في الدنيا علماً ونباهة وهم: الخليل بن أحمد صاحب النحو وهو سني، والجبري الشاعر وهو شيعي، وصالح بن عبد القدوس وهو زنديق ثنوي؛ وسفيان بن مجاشع وهو خارجي؛ وبشار بن برد وهو شعوبي؛ وحماد عجرد وهو زنديق شعوبي؛ وابن رأس الجالون الشاعر وهو يهودي، وابن نظير المتكلم وهو نصراني؛ وعمر بن المؤيد وهو مجوسي؛ وابن سنان الحراني وهو صابئ. وكانوا يجتمعون فيتناشدون الأشعار؛ ويتناقلون الأخبار؛ ويتحدثون في جو من الود والتقدير واحترام الرأي؛ ولا تكاد تعرف منهم أن بينهم هذا الاختلاف الشديد في دياناتهم ومذاهبهم، وقد جسدوا عملياً وواقعياً مقولة احترام الرأي الآخر في جو من المحبة والتفاهم. وما أحوجنا في ندواتنا وحواراتنا إلى احترام الرأي والموضوعية في إصدار الأحكام على آراء الآخرين وعدم الانفعال والمقاطعة في أثناء الحديث؛ والتحلي بالأناة والصبر في الاستماع إلى وجهات النظر والإتيان بالحجج والأدلة التـي نستشهد بها في جو من المجاملة واحترام الرأي؛ ونبذ عقلية التزمت والتشنج والتعصب والتطرف التـي شقت طريقها إلى العقل العربي إبان عصور الانحطاط والانحدار والتخلف.
4 - حقوق الإنسان: لقد استطاع الإنسان في القرن العشرين أن يكتشف الكواكب في كبد السماء؛ وأن يسبر أغوار المحيطات؛ ولكنه لم يستطع أن يعيش على الأرض كإنسان؛ وإنّ ما نلاحظه على الساحة الدولية حالياً يشير إلى أنّ الإنسان ما يزال في منأى عن روح الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة ومقاصدها.
في الوقت الذي نلاحظ فيه أن حلف الفضول في تراثنا العربي كان سبّاقاً في مجال الحفاظ على حقوق الإنسان صوناً واحتراماً؛ فلقد اعتاد تجار قريش أكل أموال الناس بالباطل؛ وحدث لرجل يمني أن باع سلعته إلى واحد من بني سهم من قريش؛ فماطله في دفع الثمن حتـى يئس. فاعتلى اليمني مكاناً مرتفعاً وقريش في مجالسها حول الكعبة؛ ورفع صوته يشكو ظلمه؛ فمشت قريش بعضها إلى بعض يحركها بنو هاشم؛ واجتمعت عدة بطون في دار الندوة واتفقوا على إنصاف المظلوم من الظالم؛ وساروا إلى دار عبد الله بن جُدْعان؛ وتحالفوا هناك على إباء الضيم وهجر العار وأداء الحق؛ فسمي "حلف الفضول" وروي أن الرسول (ص) شهد حلف الفضول في دار عبد الله بن جدعان قبل نزول الوحي عليه؛ وقال بعد ذلك: والذي نفسي بيده لقد شهدت في الجاهلية حلفاً يعني حلف الفضول؛ أما لو دعيت إليه اليوم لأجبت.
ولم تنظر الحضارة العربية الإسلامية إلى الآخرين نظرة شوفينية متعصبة وتساوى لديها بلال الحبشي وسلمان الفارسي وصهيب الرومي مع عمار العربي؛ وأصبح سلمان الفارسي أميراً على المدائن وعمار بن ياسر أميراً على الكوفة؛ وأضحى الجميع متساوين.
لا فرق في ذلك بين العربي والرومي والحبشي والفارسي؛ وتلك هي إنسانية حضارتنا وسمو مراميها ونبل مقاصدها وغاياتها.
5 - التربية البيئية: إذا كان العالم المعاصر يعاني المشكلات البيئية بسبب الممارسات الجائرة للإنسان على الطبيعة ومصادرها وفقدان الوعي البيئي تجاهها فإن تراثنا العربي زاخر بالقيم والاتجاهات الرامية إلى الحفاظ على البيئة والتعاطف معها.
وهل يمكننا أن ننسى وصية رسول الله لأصحابه في غزوة مؤتة إذ يقول: أوصيكم بتقوى الله؛ ومن معكم من المسلمين خيراً؛ اغزوا باسم الله وفي سبيل الله؛ لا تغدروا ولا تغلوا؛ ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة ولا كبيراً فانيا؛ ولا منعزلاً بصومعة؛ ولا تقربوا نخلا؛ ولا تقطعوا شجراً ولا تهدموا بناء "ولكم نستقي من هذه الوصية دروساً وعبراً في الحفاظ على حقوق الإنسان أياً كان وصوناً للبيئة وحمايتها.
ولقد تجاوزت النزعة الإنسانية في تراثنا الإنسان إلى الرفق بالحيوان وأنسنته؛ إن دل هذا على شيء فإنما يدل على سمو المشاعر الإنسانية تجاه الكون والبيئة وما فيها من أحياء
وهل يمكننا أن ننسى نداء أبي فراس للحمامة والشريف الرضي لظبية البان. وتوسعت دائرة المشاركة الوجدانية والتعاطف ليسبغ على الوادي والشجر والجبل سمات الإنسان؛ وتلك هي مزية لحضارتنا العربية التـي أنسنت المصادر الطبيعية وحولت الأشياء إلى أناس يحسون ويتألمون؛ وتلك لعمري الذروة في المشاعر الإنسانية الرفيعة.
وما أبشع أن تنقلب الآية في عالمنا المعاصر فتتحول أنسنة الأشياء إلى تشيئة الإنسان وانحسار القيم الإنسانية!وما أمر أن يتحول الإنسان على الأرض إلى شيء لا يحس به أخوه الإنسان!.


التراث الشعبي
التراث الشعبي أو (الفلكلور) أو المأثورات الشعبية كلها مسميات لعلم واحدهو (التراث الشعبي ) وينقسم التراث الشعبي إلى أربعة أقسام
= أولا : المعتقدات والمعارف الشعبية .
= ثانيا : العادات والتقاليد الشعبية .
= ثالثا : الأدب الشعبي , وفنون المحاكاة .
= رابعا : الفنون الشعبية , والثقافة المادية .
---------------------------------------
فمن المعتقدات ما يعتقده شعب معين من طقوس دينية أو عوامل طبيعية , أو ظواهر لا منظورة .. كالتي تتعلق بالجن .. أو ( الغيبيات ) .
أما المعارف فهي ما أتقنه ذلك الشعب من حرف وصناعات تقليدية ميزتهم عن غيرهم , أو لهم طريقة خاصة بهم .
أما العادات والتقاليد – فهي ما يتعلق بالاحتفالات والمناسبات . والأسلوب السائد لذلك الشعب , كعادات الزواج والختان .. والأعياد , وطرق الاستقبال الضيوف أو توديعهم .
أما عن الأدب الشعبي – فهو ما يخص ( الشعر ) , أو النثر بكل ما يحوي من ( قصص ) و( أساطير ) أو ( أمثال ) و( أحاجى ) ... الخ .
والفنون الشعبية هي تلك الفنون التي نطلق عليها ( العرضات ) أو الرقص الشعبي , بكل أنماطه وخصائصه .
كما تقع من ضمنها الألعاب الترفيهية , ( كالمزا قرة ) (2) في فيفاء .. أو ( طاق طاقية ) كما هي مشهورة في مناطق عدة .
والثقافة المادية – هي الآثار والأدوات الشعبية المستخدمة في ذلك المجتمع .. سواء أكانت لباسا أو أدوات منزلية أو زراعية أو خلافها .
وقد أهتم بعالم الفلكلور في هذا الزمن اهتماما ملحوظا من ناحية الدارسين أو من ناحية بعض الجهات في العالم التي أخذت على عاتقها مهمة دراسة الفلكلور و توثيقه .. لما لذلك من أهمية كبيرة في دراسة خصائص المجتمعات والبحث في عوامل تطور الأمم بالعودة لتراثهم ودراسة خصائصه واستجلاء أسراره وغموضه .
ومما لاشك فيه – إن أي أمة يحكم عليها من خلال تراثها حيث يصوغ سلوكهم و علاقاتهم .. فالأمة غزيرة التراث يدل ذلك على عظمتها ... كما أن التراث بمفهومه العام لم يكن نتاج زمن قصير أو عدد قليل من الناس .. وإنما بتكاتف عدد كبير منهم .. فالأعمال الفلكلورية الخالدة جاءت نتيجة تراكم معرفي ونقل من جيل إلى جيل .
كما أن كل جيل - أو بالأحرى كل راوي - يقوم بالتعديل والتبديل دون قصد طبعا .. لذا فلا غرابة أن وجدنا أسطورة ما تتشابه مع أخرى في أمة أو شعب آخر ,, فقد يكون أصلها واحد غير أن التحريف قد غير صياغتها وبنيتها .
أما كيف جاء التراث الشعبي .. وعن الحاجة المجتمعية التي أتت به – فإن ذلك قد جاء تلبية لحاجة المجتمع لحفظ عاداته وتقاليده وغرسها في نفوس الأجيال القادمة أما لانعدام سبل التعليم المنتظم .. أو لحرص المجتمع على نقل معارفه وغرس القيم الفاضلة في نفوس أجياله الجديدة .
لذا فإن الأسطورة أو الملهاة أو القصة , أو الأمثال الشعبية والأحاجي هي في الأساس نوع من التعليم غير المباشر للأطفال في أطوار نموهم الأولى .. وهي في الأساس تتميز بسمات وخصائص معينة منها البساطة والمتعة التي تسعد الصغار والكبار معاً... كما يلاحظ إن في معظم الأساطير ميل كبير إلى إدخال العنصر الأنثوي فيها بشكل بارز ... وأيضا لمس للمناطق الغريزية والجنسية في الإنسان .
حيث نجد معظم الأساطير تدور حول الجنس .. ثم إلى الغنى والجمال والسلطة والفروسية ... الخ . ولعل ذلك يرجع إلى ميل الإنسان الفطري إلى حب الكمال .. والتحليق في عالم الخيالات والتمنيات ..
التراث ومستقبل الأمة
ا- ا- أصبح التراث، وهو الميراث الحضاري للمجموعات البشرية، يثير قضايا فكرية وسياسية، في سياق بناء الحياة المعاصرة... ماذا كانت الحضارة البشرية كلها، هي جماع التجارب الاجتماعية التي مرت بها المجتمعات الإنسانية أولا في مواجهة الطبيعة، انتزاعا من إمكاناتها واستدناء لعطائها، إشباعا لحاجات الإنسان الحيوية. وثانيا في مواجهة الآخرين تنظيما لعلاقاته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وثالثا في مواجهة الكون لتفسير وجوده ومصيره، وتحديد بعده الثالث تلك هي التجارب التي تراكمت على مر العصور وتلقتها الأجيال جيلا عن جيل، ثم أضافت إليها وطورتها، فلماذا تثار هذه القضايا حول التراث، وحول وضعه في مسيرة الحياة المعاصرة ولماذا تتنوع الآراء حول نوع العلاقة بينهما: أهي "علاقة تماثل، وإعادة إنتاج للتراث وتبين له أم هي علاقة انقطاع وتدابر معه: أم هي علاقة توفيقية يؤخذ منه ويترك وفق الحاجات الجديدة للمجتمع؟
ا-2- والواقع أن خصوصية التراث العربي الإسلامي من ناحية، واتساع مجالاته الحضارية النوعية من ناحية ثانية، وامتداده الجغرافي تاريخيا، من ناحية ثالثة، ثم طبيعة الحضارة المعاصرة، واختلافها العضوي، مع الحضارات التاريخية من ناحية رابعة، هي التي أدت إلى فرض هذه القضايا، المشروعة فكريا وحضاريا، وسياسيا.. على أن خصوصية التراث العربي الإسلامي التي تقوم على دور الإسلام في إقامة هذا التراث وإعطائه الصورة القانونية والسياسية والإدارية، والانتشار الجغرافي عبر القارات المأهولة في أفريقيا وأسيا وأوروبا، والتفوق الحضاري والعسكري، على كل القوى السياسية المنظمة حينذاك، وذلك كله في إطار العقيدة الإسلامية، هذه الخصوصية تعطى للتراث العربي الإسلامي وضعا خاصا، وتقيم بين أجياله أكثر من العلاقة التاريخية التعاقبية، بين الماضي والحاضر، لاستمرار العقدة الدينية، التي صنعت هذه الإنجازات الحضارية الضخمة بمبادئها وبقيمها حية وكاملة، مما يجعل إمكانية إعادة التجربة ممكنة، من ناحية: ولأن الانقطاع بأي صورة من الصور مع هذا التراث هو في عاقبة الأمر، خروج عن أصول العقيدة الدينية من ناحية أخرى.
2- الماضي والحاضر:
2- ا- التراث فكرة زمنية بالضرورة، لأنه يشير إلى الوقائع التاريخية، المتمثلة في تجارب المجتمعات وفي إبداعاتها في مواجهة متطلبات الحياة، إشباعا للحاجات البيولوجية العضوية والاجتماعية والروحية، ومعنى هذا أنه لا ينتقل من تجارب الماضي. إلا التجارب المتميزة التي تضيفها المجتمعات إلى الإبداعات التي ورثتها عما قبلها من الأجيال.
ومن هنا، فإن التراث الإنساني ، ليس هو كل الماضي، ولا هو كل التاريخ، ولكنه التجارب الإبداعية في مجالات الحضارة الإنسانية، وهذا التراث هو خاصية الإنسان لا الحياة، يتميز به الإنسان، بين سائر الأحياء التي تعيش على هذا الكوكب، فهو فاصل نوعي بينهما، فالإنسان وحده، وهو الذي يملك الذاكرة الحضارية، وهو وحده الذي يملك. عن طريق تواصل تجاربه المبدعة أن يواصل بناء الحياة الاجتماعية وتقدمها...
2-2- وهنا تنبغي الإشارة إلى قضية هامة،. هي أن التراث باعتباره تجربة إنسانية ليس وقفا على مجتمع بعينه، ولكنه يصبح ملكا للبشرية كلها باعتباره إبداعا: وكل مجتمع يتلقى هذه الإبداعات التاريخية ويصوغها في سياق تجاربه الخاصة، وهكذا انتشرت الحضارة البشرية من مراكز إبداع مختلفة فمثلا اختراع الكتابة تجربة، طورتها مجتمعات مختلفة في سياق لغاتها، ومثل ذلك كثير عن الأجهزة المادية، والتصورات الفكرية، إما نقلا أو إبداعا.
2 - 3- في الحضارات التقليدية، كان التطور يحدث عن طريق النمو، الذي يتم عن طريق التراكم الكمي يؤدي إلى : وكان التراكم الكمي يؤدي إلى تغيير نوعي، ولكن هذا لا يعني أنه لم تكن هناك طفرات نوعية: فهذه الطفرات النوعية هي في واقع الأمر، أساس الانتقال الحضاري الذي يقوم على تجاوز الواقع، بابتداع صيغ جديدة؟ ولكن تلك الطفرات لم تكن هي السمة الأساسية، لأن مجال اكتشاف القوانين الطبيعية كان محدودا. ومن هنا فلم يكن الفارق بين الماضي والحاضر فارقا حادا، يعرض المجتمعات لهزة اجتماعية، أو تغيير نوعي ، ولكنه كان فارقا قائلا في صورة صراع الأجيال، كل جيل يدافع عن مكتسباته ، وبخاصة التي طورها أو أبدعها: بمعنى أن كل جيل جديد يحاول أن يتمي على الممارسات القديمة، في مجال العلاقات أو في مجال الممرات، وأن يحمل جديدا فيهما، وهذا الجديد يتم في سياق الموروث، وبأداته، فإذا تم ذلك، أصبح محافظا يدافع عما حققه من مكتسبات في مواجهة الجيل الجديد الذي بعده وهكذا؟ ولم يكن كل ذلك يفضي إلى تغير نوعي مفاجيء ، ولكنه كان يمثل نموا للحاضر، في سياق تاريخي متصل...
2-4- أما في الحضارة المعاصرة، فإن الموقف مختلف، والمفارقة واسعة، بين الماضي والحاضر والخلاف بينهما نوعي ، فالذي تحقق في الخمسين سنة الأخرى من الإنجازات التقانية يكاد يماثل أكثر من نصف ما حققته البشرية في تاريخها الطويل، ذلك أن الحضارة المعاصرة تقوم في جوهرها، على وسائل جديدة من المعرفة اليقينية ، من معطيات العلوم الطبيعية والحيوية، والهندسية والرياضية التي لا تختلف نتائجها متى تحققت ظروفها ؟ وبمعنى آخر، فإن تجاربها تجارب مطلقة قابلة للتطبيق في أي مجتمع إنساني، وذلك لا مواجهة ا-لضارة التاريخية التي تعتبر النسبية أهم خصائصها.
ومن هنا فإن الحضارة المعاصرة تعتبر في بعض مظاهرها وسماتها المادية انقطاعا عن الماضي، الأمر الذي دعا كثيرا من الباحثين والمشتغلين بالقضايا السياسية والتنموية، إلى موقف سلبي من التراث، باعتباره نوعا آخر من الحياة، نوعا من التاريخ، لا فائدة من استعادته لأنه لا يستجيب لحاجات الحاضر...
2-5- وهنا ينبغي أن نلحظ أن هذه الحضارة المعاصرة اتخذت صورة تقانية (تكنولوجية) من حيث إنها ابتدعت عن طريق اكتشاف القوانين الطبيعية، وعن طريق تطبيق النظريات العلمية والرياضية في إشباع الحاجات الطبيعية والاجتماعية للمجتمع، وبما قدمت من اختراعات وارتفاقات، ما يسر للبشرية أن تتغلب على كثير من العقبات الطبيعية في إشباع حاجاتها، وحققت درجة عالية من التواصل العالمي، وجعلت من العالم كله، قرية الكترونية، تتزامن فيها الأحداث؟ وتجاوزت الكرة الأرضية، وبدأت في اكتشاف الكواكب الأخرى صعودا ، وارتياد أعماق المحيطات بحثا، ومع هذا فإن هذه التقانة نفسها حددت قيمها فهي ليست حضارة محايدة ، ليست حضارة أجهزة وآلات، يمكن التعامل معها من الخارج ؟ ولكنها تقوم على تصور معين للسعادة ولنوع الحياة ومستواها، مقيسة بمقاييس كمية عن الارتفاقات التي يتمتع بها الفرد في المجتمع، ابتداء من دخله الفردي، وبما يتمتع به المجتمع ابتداء من الدخل القومي، على أساس مفهوم التنمية الشاملة، التي هي دعوة العصر، وشعار حكوماته، ومعيار تصنيف المجتمعات البشرية إلى مجتمعات متقدمة ومجتمعات متخلفة أو نامية!!
2-6- ولكن هناك في مقابل هذا التصور الانقطاعي للحضارة المعاصرة، التي تجعل من التعامل مع المعطيات الطبيعية، حقيقة حضارية مطلقة، تصورا آخر ممكنا، هو أن المطلق الحضاري، ليس وقفا على القوانين الطبية وحدها، فهناك مطلق حضاري يقوم على التصور الروحي، مثل الديانات السماوية، فهي ديانات مطلقة، تخاطب كل إنسان لأنه يتصل بقوام وجوده الكامل، وجوده المادي ووجوده الروحي.
وإذا أن المطلق التقاني يشبع الحاجات المادية للإنسان، وهي عملية هامة في الوجود البشري، وفي بناء المجتمع، فإذا المطلق الروحي له أهميته العظمى في إشباع الحاجات الدينية للإنسان، بما يحقق التوازن بين حاجاته المادية والروحية وأبعاد وجوده الإنساني.
ومن هنا يمكن أن ترفع تلك الحدية الصارمة، بين التراث وبين الحاضر؟ فلا يكون هناك تغليب للجانب التقاني على الجانب الروحي ولا للجانب الروحي على الجانب التقاني، فهما ليسا متعارضين، ولكنهما متكاملان للحاجات الإنسانية، وهكذا يمكن أن ينظر إلى التراث في ضوء جديد.
2-7- إن تصور الاعتماد الكامل على التراث، وإعادة إنتاجه، لا يقل استحالة عن إلغائه وتجاهله؟
والاعتماد على التجارب التقانية المعاصرة. وذلك ضرورة أن الحياة صيغة ممتدة ومتصلة، وأنها بطبيعتها وخصائصها، وعاء الحياة الاجتماعية التي هي بناء متكامل من الخبرات الإنسانية والجغرافية في مواجهة متطلبات الحياة الطبيعية والإنسانية والروحية، وكل اكتشاف حضاري جديد، هو استئناف موصول لجهد الإنسان في روح كفاية خبراته في ملاقاة حاجاته الأساسية، وإن كل جديد وكل تغيير، مهما كان نوعه، لا يحدث من فراغ ، وإنما يحدث ابتداء من حقائق موجودة، تكتشف قوانينها، أو تغير علاقاتها وسياقاتها. فلا يسمى اختراع، أو إبداعا بشريا، يعتمد على ما هو قائم من عناصر في المجتمع، فليس هنا خلق من عدم،ولا استحداث من فراغ، وإنما يكون الخلق والإبداع على غير مثال، من الخالق الأعظم، خالق الكون...
جل جلاله. ومن هنا فإن فكرة الانقطاع التراثي غير واردة في أي صورة من صور التفكير أو الممارسة لأن الذين يرفضون التراث يرفضونه بأدوات التراث، ذلك أن وسائل التعبير نفسها هي مخترعات تراثية. كذلك فإن الذين يرون في التراث كل شيء، وأنه يستجيب للحاجات المتجددة للإنسان، يقحون في تناقض صارخ مع العقل وطبيعة الأشياء ذلك أن التراث حسه ليس شيئا كاملا أو صورة نموذجية، ولكنه مجموعة من التجارب الب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مفهوم التراث
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى مدرسة بلقاسم بن حبسة طريق تازولت باتنـــــــــــــــــــة :: منتدى التربية والتعليم الثانوي :: البحوث العلمية-
انتقل الى: